الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.استيلاء خوارزم شاه على بلاد الجبل. كان خوارزم شاه محمد بن تكش قد ملك الرها وهمذان وبلاد الجبل كلها أعوام تسعين وخمسمائة من يد قطلغ آبنايخ بقية أمراء السلجوقية ونازعه فيها ابن القصاب وزير الخليفة الناصر فغلبه خوارزم شاه وقتله كما مر في أخباره ثم شغل عنها تكش إلى أن توفي وذلك سنة سبع وتسعين وصار ملكه لابنه علاء الدين محمد بن تكش وتغلب موالى البهلوان على بلاد الجبل واحدا بعد واحد ونصبوا أزبك بن مولاهم البهلوان ثم انتقضوا عليه وخطبوا لخوارزم شاه وكان آخر من ولى منهم أغماش وأقام بها مدة يخطب لعلاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه ثم وثب بعض الباطنية وطمع أزبك بن محمد البهلوان بقية الدولة السلجوقية باذربيجان واران في الاستيلاء على أعمال أصبهان والري وهمذان وسائر بلاد الجبل وطمع سعد بن زنكي صاحب فارس ويقال سعد بن دكلاء في الاستيلاء عليها أيضا كذلك وسار في العساكر فملك أزبك أصبهان بممالأة أهلها وملك سعد الري وقزوين وسمنان وطار الخبر إلى خوارزم شاه بأصبهان بسمرقند فسار في العساكر سنة أربع عشرة وستمائة في مائة ألف بعد أن جهز العساكر فيما وراء النهر وبثغور الترك وانتهى إلى قومس ففارق العساكر وسار متجردا في اثني عشر ألفا فلما ظفرت مقدمته بأهل الري وسعد مخيم بظاهرها ركب للقتال بظن أنه السلطان ثم تبين الآلة والمركب واستيقن أنه السلطان فولت عساكره منهزمة وحصل في أسر السلطان وبلغ الخبر إلى أزبك بأصبهان فسار إلى همذان ثم عدل عن الطريق في خواصه وركب الاوعار إلى أذربيجان وبعث وزيره أبا القاسم بن علي بالاعتذار فبعث إليه في الطاعة فأجابه وحمله الضريبة فاعتذر بقتال الكرج وأما سعد صاحب فارس فبلغ الخبر بأسره إلى ابنه نصرة الدين أبي بكر فهاج بخلعان أبيه وأطلق السلطان سعدا على أن يعطيه قلعة اصطخر ويحمل إليه ثلث الخراج وزوجه بعض قرابته وبعث معه من رجال الدولة من يقبض اصطخر فلما وصل إلى شيراز وجد ابنه منتقضا فداخله بعض أمراء ابنه وفتح له باب شيراز ودخل على ابنه واستولى على ملكه وخطب لخوارزم شاه واستولى خوارزم شاه على شاورة وقزوين وجرجان وابهر وهمذان وأصبهان وقم وقاشان وسائر بلاد الجبل واستولى عليها كلها من أصحابها واختص الامير طائيين بهمذان وولى ابنه ركن الدولة ياورشاه عليهم جميعا وجعل معه جمال الدين محمد بن سابق الشاوي وزيرا..طلب الخطبة وامتناع الخليفة منها. ثم بلغ ذلك بعث خوارزم شاه محمد بن تكش إلى بغداد يطلب الخطبة بها من الخليفة كما كانت لبني سلجوق وذلك سنة أربع عشرة وذلك لما رأي من استفحال أمره واتساع ملكه فامتنع الخليفة من ذلك وبعث في الاعتذار عنه الشيخ شهاب الدين سهر وردي فأكبر السلطان مقدمه وقام لتلقيه وأول ما بدأ به الكلام على حديث الخطبة ببغداد وجلس على ركبتيه لاستماعه ثم تكلم وأطال وأجاد وعرض بالموعظة في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم في بني العباس وغيرهم والتعرض لاذايتهم فقال السلطان حاش لله من ذلك وأنا ما آذيت أحدا منهم وأمير المؤمنين كان أولى مني بموعظة الشيخ فقد بلغني أن في محبسه جماعة من بني العباس مخلدين يتناسلون فقال الشيخ الخليفة إذا حبس أحدا للاصلاح لا يعترض عليه فيه فما بويع إلا للنظر في المصالح ثم ودعه السلطان ورجع إلى بغداد وكان ذلك قبل أن يسير إلى العراق فلما استولى على بلاد الجبل وفرغ من أمرها سار إلى بغداد وانتهى إلى عقبة سراباد وأصابه هنالك ثلج عظيم أهلك الحيوانات وعفن أيدي الرجال وأرجلهم حتى قطعوها ووصله هنالك شهاب الدين السهر وردي ووعظه فندم ورجع عن قصده فدخل إلى خوارزم سنة خمس عشرة والله سبحانه وتعالى ولى التوفيق..قسمة السلطان خوارزم شاه الملك بين ولده. ولما استكمل السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش ملكه بالاستيلاء على الري وبلاد الجبل قسم أعمال ملكه بين ولده فجعل خوارزم وخراسان ومازندان لولى عهده قطب الدين أولاغ شاه وإنما كان ولى عهده دون ابنه الأكبر جلال الدين منكبرس لان أم قطب الدين وأم السلطان وهي تركمان خاتون من قبيلة واحدة وهم فياروت من شعوب يمك إحدى بطون الخطا فكانت تركمان خاتون متحكمة في ابنها السلطان محمد بن تكش وجعل غزنة وباميان والغور وبست ومكساماد وما من الهند لابنه جلال الدين منكبرس وكرمان وكيس ومكرمان لابنه غياث الدين يترشاه وبلاد الجبل لابنه ركن الدين غور شاه كما قدمناه وأذن لهم في ضرب النوب الخمس له وهي دبادب ضغار تقرع عقب الصلوات الخمس واختص هو بنوبة سماها نوبة ذي القرنين سبع وعشرين دبدبة كانت مصنوعة من الذهب والفضة مرصعة بالجواهر هكذا ذكر الوزير محمد بن أحمد السنوي المنشى كاتب جلال الدين منكبرس في أخباره ابنه علاء الدين محمد بن تكش وعلى كتابه اعتمدت دون غيره لانه أعرف بأخبارهما وكانت كرمان ومكران وكيش لمؤيد الملك قوام الدين وهلك منصرف السلطان من العراق فأقطعها لابنه غياث الدين كما قلناه وكان الملك هذا سوقة فأصبح ملكا وأصل خبره أن أمه كانت داية في دار نصرة الدين محمد بن أبز صاحب زوزن ونشأ في بيته واستخدمه وسفر عنه للسلطان فسعى به أنه من الباطنية ثم رجع فخوفه من السلطان بذلك فانقطع نصرة الدين إلى الاسماعيلية وتحصن ببعض قلاع زوزن وكتب قوام الدين بذلك إلى السلطان فجعل إليه وزارة زوزن وولاية جبايتها ولم يزل يخادع صاحبه نصرة الدين إلى أن راجع فتمكن من السلطان وسمله ثم طمع قوام الدين في ملك كرمان وكان بها أمير من بقية الملك دينار وأمده السلطان بعسكر من خراسان فملك كرمان وحسن موقع ذلك من السلطان فلقبه مؤيد الملك وجعلها في أقطاعه ولما رجع السلطان من العراق وقد نفقت جماله بعث إليه بأربعة آلاف بختي وتوفي أثر ذلك فرد السلطان أعماله إلى ابنه غياث الدين كما قلناه وحمل من تركته إلى السلطان سبعون حملا من الذهب خلا الاصناف.
|